الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
حج الصبي صحيح فإن كان مميزا أحرم بإذن وليه فإن استقل فوجهان أصحهما لا يصح والثاني يصح ولوليه تحليله ولو أحرم عنه وليه فإن قلنا يصح استقلاله لم يصح وإلا فوجهان أصحهما يصح وإن لم يكن مميزا أحرم عنه وليه سواء كان حلالا أو محرما حج عن نفسه أم لا ولا يشترط حضور الصبي ومواجهته على الأصح والمجنون كصبي لا يميز يحرم عنه وليه وفيه وجه غريب ضعيف أنه لا يجوز الإحرام عنه إذ ليس له أهلية العبادات والمغمى عليه لا يحرم عنه غيره وأما الولي الذي يحرم عن الصبي أو يأذن له فالأب يتولى ذلك وكذا الجد وإن علا عند عدم الأب ولا يتولاه عند وجود الأب على الصحيح وفي الوصي والقيم طريقان قطع العراقيون بالجواز وقال آخرون وجهان أرجحهما عند الإمام المنع وفي الأخ والعم وجهان أصحهما المنع وفي الأم طريقان أحدهما القطع بالجواز وأصحهما وبه قال الأكثرون أنه مبني على ولايتها التصرف في ماله فعلى قول الأصطخري تليه وعلى قول الجمهور لا تلي. قلت: ولو أذن الأب لمن يحرم عن الصبي ففي صحته وجهان حكاهما الروياني الصحيح صحته وبه قطع الدارمي والله أعلم. فصل متى صار الصبي محرما بإحرامه أو بإحرام وليه فعل ما قدر بنفسه وفعل به الولي ما عجز عنه فإن قدر على الطواف علمه فطاف وإلا طيف به على ما سبق والسعي كالطواف ويصلي عنه وليه ركعتي الطواف إن لم يكن مميزا وإلا صلاهما بنفسه على الصحيح وفي الوجه الضعيف لا بد أن يصليهما الولي بكل حال ويشترط إحضاره عرفة ولا يكفي حضور غيره عنه وكذا يحضر المزدلفة والمواقف ويناول الأحجار فيرميها إن قدر وإلا رمي عنه من لا رمي عليه ويستحب أن يضعها في يده أولا ثم يأخذها فيرمي. قلت: لو أركبه الولي دابة وهو غير مميز فطافت به قال الروياني لم يصح إلا أن يكون الولي سائقا أو قائدا والله أعلم.
بسبب السفر هل في مال الصبي أو وجهان ويقال قولان أصحهما في مال الولي فعلى هذا لو أحرم بغير إذنه وصححناه حلله فإن لم يفعل أنفق عليه
يمنع الصبي المحرم من محظورات الإحرام فلو تطيب أو لبس ناسيا فلا فدية عليه وإن كان عامدا فقد بنوه على أصل مذكور في الجنايات وهو أن عمده عمد أو خطأ إن قلنا خطأ فلا وإن قلنا عمد وهو الأظهر وجبت قال الإمام وبهذا قطع المحققون لأن عمده في العبادات كعمد البالغ ألا ترى أنه إذا تعمد الكلام بطلت صلاته أو الأكل بطل صومه ونقل الداركي قولا فارقا بين أن يكون الصبي ممن يلتذ بالطيب واللباس أم لا ولو حلق أو قلم أو قتل صيدا وقلنا عمد هذه الأفعال وسهوها سواء وجبت الفدية وإلا فهي كالطيب واللباس ومتى وجبت الفدية فهي على الولي أم في مال الصبي قولان أظهرهما في مال الولي هذا إذا أحرم بإذنه فإن أحرم بغير إذنه وجوزناه فالفدية في مال الصبي بلا خلاف قاله في التتمة وفي وجه إن أحرم به الأب أو الجد ففي مال الصبي وإن أحرم به غيرهما فعليه ومتى وجبت في مال الصبي إن كانت مرتبة فحكمها حكم كفارة القتل وإلا فهل يجزىء أن يفتدي بالصوم في حال الصبي وجهان مبنيان على صحة قضائه الحج الفاسد في الصبي وليس للولي والحالة هذه أن يفدي عنه بالمال لأنه غير متعين. فرع لو جامع الصبي ناسيا أو عامدا وقلنا عمده خطأ ففي فساد قولان كالبالغ إذا جامع ناسيا أظهرهما لا يفسد وإن قلنا عمده عمد فسد حجه وإذا فسد هل عليه القضاء قولان أظهرهما نعم لأنه إحرام صحيح فوجب فإفساده القضاء كحج التطوع فعلى هذا هل يجزئه القضاء في حال الصبي قولان ويقال وجهان أظهرهما نعم اعتبارا بالأداء والثاني لا لأنه ليس أهلا لأداء فرض الحج فعلى هذا إذا بلغ نظر في الحجة التي أفسدها فإن كانت بحيث لو سلمت من الفساد أجزأته عن حجة الإسلام بأن بلغ قبل فوات الوقوف تأدت حجة الإسلام بالقضاء وإلا فلا وعليه أن يبدأ بحجة الإسلام ثم يقضي فإن نوى القضاء أولا انصرف إلى حجة الإسلام وإذا جوزنا القضاء في حال الصبي فشرع فيه وبلغ قبل الوقوف انصرف إلى حجة الإسلام وعليه القضاء ومهما فسد حجه وأوجبنا القضاء وجبت الكفارة أيضا وإلا ففي الكفارة وجهان أصحهما الوجوب وإذا وجبت ففي مال الصبي أو الولي فيه الخلاف السابق. فرع حكم المجنون حكم الصبي الذي لا يميز في جميع المذكور ولو خرج الولي بالمجنون بعد استقرار فرض الحج عليه وأنفق من ماله نظر إن لم ينفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر وإن أفاق وأحرم وحج فلا غرم لأنه قضى ما عليه وتشترط إفاقته عند الإحرام والوقوف والطواف والسعي ولم يتعرضوا لحالة الحلق وقياس كونه نسكا اشترط الإفاقة فيه كسائر الأركان.
لو بلغ الصبي في أثناء الحج نظر إن بلغ بعد خروج بعرفة لم يجزئه عن حجة الإسلام ولو بلغ بعد الوقوف وقبل خروج وقته ولم يعد إلى الموقف لم يجزئه عن حجة الإسلام على الصحيح ولو عاد فوقف في الوقت أو بلغ قبل وقت الوقوف أو في حال الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام لكن يجب إعادة السعي إن كان سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ على الأصح ويخالف الإحرام فإنه مستدام في حال البلوغ وإذا وقع حجه عن الإسلام فهل يلزمه الدم فيه طريقان أصحهما على قولين أظهرهما لا إذ لا إساءة والثاني نعم لفوات الإحرام الكامل من الميقات. والطريق الثاني القطع بأن لا دم والخلاف فيمن لم يعد بعد البلوغ إلى الميقات فإن عاد فلا دم على الصحيح والطواف في العمرة كالوقوف في الحج فإذا بلغ قبله أجزأته عمرته عن عمرة الإسلام وعتق العبد في أثناء الحج والعمرة كبلوغ الصبي في أثنائهما. فرع ذمي أتى الميقات يريد النسك فأحرم منه لم ينعقد إحرامه أسلم قبل فوات الوقوف ولزمه الحج فله أن يحج من سنته وله التأخير لأن الحج على التراخي فإن حج من سنته وعاد إلى الميقات فأحرم منه أو عاد محرما فلا دم عليه وإن لم يعد لزمه دم كالمسلم إذا جاوزه بقصد النسك وقال
أو حلق رأسه نظر إن الصبي فطريقان أصحهما أنه كمباشرة الصبي ذلك فيكون فيمن تجب عليه الفدية القولان المتقدمان والثاني القطع بأنها على الولي ولو طيبه لا لحاجة فالفدية عليه وكذا لو طيبه أجنبي وهل يكون الصبي طريقا فيه وجهان. قلت: أصحهما لا يكون والله أعلم.
وهي سبعة أنواع الأول اللبس أما رأس الرجل فلا يجوز ستره لا بمخيط كالقلنسوة ولا بغيره كالعمامة والإزار والخرقة وكل ما يعد ساترا فإن ستر لزمه الفدية ولو توسد وسادة أو وضع يده على رأسه أو انغمس في ماء أو استظل بمحمل أو هودج فلا بأس سواء مس المحمل رأسه أم لا وقال في التتمة إذا مس المحمل رأسه وجبت الفدية ولم أر هذا لغيره وهو ضعيف ولو وضع على رأسه زنببيلا أو حملا فلا فدية على المذهب وقيل قولان ولو صلى رأسه بطين أو حناء أو مرهم أو نحوهما فإن كان رقيقا لا يستر فلا فدية وإن كان ثخينا ساترا وجبت على الأصح ولا يشترط لوجوب الفدية ستر جميع الرأس كما لا يشترط في فدية الحلق الاستيعاب بل تجب بستر قدر يقصد ستره لغرض كشد عصابة أو إلصاق لصوق لشجة ونحوها وكذا ضبطه الإمام والغزالي واتفق الأصحاب على أنه لو شد خيطا على رأسه لم يضر ولا فدية وهذا ينقض ما ضبطا به فإن ستر المقدار الذي يحويه شد الخيط قد يقصد لمنع الشعر من الانتشار وغيره فالوجه الضبط بتسميته ساترا كل الرأس أو بعضه. قلت: تجب الفدية بتغطية البياض الذي وراء الأذن قاله الروياني وغيره وهو ظاهر ولو غطى رأسه بكف غيره فالمذهب أنه لا فدية ككف نفسه وفي الحاوي و البحر وجهان لجواز السجود على كف غيره والله أعلم. أما غير الرأس فيجوز ستره لكن لا يجوز لبس القميص ولا السراويل والتبان والخف ونحوها فإن لبس شيئا من هذا مختارا لزمه الفدية قصر الزمان أم طال ولو لبس القباء لزمه الفدية سواء أخرج يده من الكمين أم لا وفيه وجه قاله في الحاوي أنه إن كان من أقبية خراسان ضيق الأكمام قصير الذيل لزمت الفدية وإن لم يدخل يده في الكم وإن كان من أقبية العراق واسع الكم طويل الذيل لم يجب حتى يدخل يديه في كميه والصحيح المعروف ما سبق ولو ألقى على نفسه قباء أو فرجيه وهو مضطجع قال الإمام إن أخذ من بدنه ما إذا قام عد لابسه لزمه الفدية وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد أمر فلا والليس مرعي في وجوب الفدية على ما يعتاد في كل ملبوس فلو ارتدى بقميص أو قباء أو التحف بها أو اتزر بسراويل فلا فدية كما لو اتزر بإزار لفقه من رقاع ولا يتوقف التحريم والفدية في الملبوس على المخيط بل لا فرق بين المخيط والمنسوج كالزرد والمعقود كجبة اللبد والملفق بعضه ببعض سواء المتخذ من القطن والجلد وغيرهما. ويجوز أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطا وأن يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيها التكة وأن يشد طرف إزاره في طرف ردائه ولا يعقد رداءه وله أن يغرزه في طرف إزاره ولو اتخذ لردائه شرجا وعرى وربط الشرج بالعرى وجبت الفدية على الأصح. قلت: المذهب والمنصوص أنه لا يجوز عقد الرداء وكذا لا يجوز خله بخلال أو مسلة ولا ربط طرفه إلى طرفه بخيط ونحوه والله أعلم. ولو شق الإزار نصفين ولف على كل ساق نصفا وعقده فالذي نقله الأصحاب وجوب الفدية لأنه كالسراويل وقال إمام الحرمين لا فدية لمجرد اللف والعقد وإنما تجب إن كانت خياطة أو شرجا وعرى وله أن يشتمل بالإزار والرداء طاقين وثلاثة وأكثر بلا خلاف وله أن يتقلد المصحف والسيف ويشد الهميان والمنطقة على وسطه أما المرأة فالوجه في حقها كرأس الرجل وتستر جميع رأسها وسائر بدنها بالمخيط كالقميص والسراويل والخف وتستر من الوجه القدر اليسير الذي يلي الرأس إذ لا يمكن استيعاب ستر الرأس إلا به والمحافظة على ستر الرأس بكماله لكونه عورة أولى من المحافظة على كشف ذلك الجزء من الوجه ولها أن تسدل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة ونحوها سواء فعلته لحاجة من حر أو برد أو فتنة ونحوها أم لغير حاجة فإن وقعت الخشبة فأصاب الثوب وجهها بغير اختيارها ورفعته في الحال فلا فدية وإن كا عمدا أو استدامته لزمتها الفدية وإذا ستر الخنثى المشكل رأسه فقط أو وجهه فقط فلا فدية وإن سترهما وجبت. فرع يحرم على الرجل لبس القفازين وفي تحريمه على المرأة قولان أظهرهما عند الأكثرين يحرم نص عليه في الأم و الإملاء وتجب به الفدية والثاني لا يحرم فلا فدية ولو اختضبت ولفت على يديها خرقة فوق الخضاب أو لفتها بلا خضاب فالمذهب أنه لا فدية وقيل قولان كالقفازين وقال الشيخ أبو حامد إن لم تشد الخرقة فلا فدية وإلا فالقولان فإن أوجبنا الفدية فهل تجب بمجرد الحناء فيه ما سبق في الرجل إذا خضب رأسه بالحناء ولو اتخذ الرجل لساعده أو لعضو آخر شيئا مخيطا أو للحيته خريطة يغلفها بها إذا خضبها فهل يلحق بالقفازين فيه تردد عن الشيخ أبي محمد والأصح الإلحاق وبه قطع كثيرون ووجه المنع أن المقصود اجتناب الملابس المعتادة وهذا ليس بمعتاد. فرع أما المعذور ففيه صور. إحداها لو احتاج الرجل إلى ستر الرأس أو لبس المخيط لعذر كحر أو برد أو مداواة أو احتاجت المرأة إلى ستر الوجه جاز ووجبت الفدية الثانية لو لم يجد الرجل الرداء لم يجز لبس القميص بل يرتدي به ولو لم يجد الإزار ووجد السراويل نظر إن لم يتأت منه إزار لصغره أو لفقد آلة الخياطة أو لخوف التخلف عن القافلة فله لبسه ولا فدية وإن تأتى فلبسه على حاله فلا فدية أيضا على الأصح وإذا لبسه في الحالتين ثم وجد الإزار وجب نزعه فإن أخر وجبت الفدية الثالثة لو لم يجد نعلين لبس المكعب أو قطع الخف أسفل من الكعب ولبسه ولا يجوز لبس المكعب والخف المقطوع مع وجود التعين على الأصح فعلى هذا لو لبس المقطوع لفقد النعلين ثم وجدهما وجب نزعه فإن أخر وجبت الفدية وإذا جاز لبس الخف المقطوع لم يضر استتار ظهر القدم بما بقي منه والمراد بفقد الإزار والنعل أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده وإما لعدم بذل مالكه وإما لعجزه عن ثمنه أو أجرته ولو بيع بغبن أو نسيئة أو وهب له لم يلزمه قبوله وإن أعير وجب قبوله. النوع الثاني التطيب فتجب الفدية باستعمال الطيب قصدا فأما الطيب فالمعتبر فيه أن يكون معظم الغرض منه التطيب واتخاذ الطيب منه أو يظهر فيه هذا الغرض فالمسك والكافور والعود والعنبر والصندل طيب وأما ما له رائحة طيبة من نبات الأرض فأنواع منها ما يطلب للتطيب واتخاذ الطيب منه كالورد والياسمين والزعفران والخيري والورس فكله طيب وحكي وجه شاذ في الورد والياسمين والخيري ومنها ما يطلب للأكل أو للتداوي غالبا كالقرنفل والدارصيني والسنبل وسائر الأبازير الطيبة والتفاح والسفرجل والبطيخ والأترج والنارنج ولا فدية في شيء منها. ومنها ما يتطيب به ولا يؤخذ منه الطيب كالنرجس والريحان الفارسي وهو الضيمران والمرزنجوش ونحوها ففيها قولان القديم لا فدية والجديد وجوبها وأما البنفسج فالمذهب أنه طيب وقيل لا وقيل قولان والنيلوفر كالنرجس وقيل طيب قطعا ومنها ما ينبت بنفسه كالشيخ والقيصوم والشقائق وفي معناها نور الأشجار كالتفاح والكمثرى وغيرهما وكذا العصفر والحناء ولا فدية في شيء من هذا وحكى بعض الأصحاب وجها أنه تعتبر عادة كل ناجية فيما يتخذ فرع الأدهان ضربان دهن ليس بطيب كالزيت والشيرج وسيأتي فق النوع الثالث إن شاء الله تعالى ودهن هو طيب فمنه دهن الورد والمذهب وجوب الفدية فيه وبه قطع الجمهور وقيل وجهان ومنه دهن البنفسج فإن لم نوجب الفدية في نفس البنفسج فدهنه أولى وإلا فكدهن الورد ثم اتفقوا على أن ما طرح فيه الورد والبنفسج فهو دهنهما ولو طرحا على السمسم فأخذ رائحة ثم استخرج منه الدهن قال الجمهور لا يتعلق به فدية وخالفهم الشيخ أبو محمد ومنه ألبان ودهنه أطلق الجمهور أن كل واحد منهما طيب ونقل الإمام عن نص الشافعي رحمه الله أنهما ليس بطيب وتابعه الغزالي ويشبه أن لا يكون خلافا محققا بل هما محمولان على توسط حكاه صاحبا المهذب و التهذيب وهو أن دهن ألبان المنشوش وهو المغلي في الطيب طيب وغير المنشوش ليس بطيب. قلت: وفي كون دهن الأترج طيبا وجهان حكاهما الماوردى والروياني وقطع الدارمي بأنه طيب والله أعلم. فرع ولو أكل طعاما فيه زعفران أو طيب آخر أو استعمل مخلوطا لا بجهة الأكل نظر إن استهلك الطيب فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون فلا فدية وإن ظهرت هذه الصفات أو بقيت الرائحة فقط وجبت الفدية وإن بقي اللون وحده فقولان أظهرهما لا فدية وقيل لا فدية قطعا وإن بقي الطعم فقط فكالرائحة على الأصح وقيل كاللون ولو أكل الخلنجين المربى بالورد نظر في استهلاك الورد فيه عدمه وخرج على هذا التفصيل. قلت: قال صاحب الحاوي والروياني لو أكل العود فلا فدية عليه لأنه لا يكون متطيبا به إلا بأن يتبخر به بخلاف المسك والله أعلم. فرع لو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيب لمرور الزمان أو وغيره فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت رائحته حرم استعماله وإن بقي اللون لم يحرم على الأصح ولو انغمر شيء من الطيب في غيره كماء ورد انمحق في ماء كثير لم تجب الفدية باستعماله على الأصح فلو انغمرت الرائحة وبقي اللون أو الطعم ففيه الخلاف السابق. فرع في بيان الاستعمال هو أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على المعتاد في ذلك الطيب فلو طيب جزءا من بدنه بغالية أو مسك مسحوق أو ماء ورد لزمه الفدية سواء الإلصاق بظاهر البدن أو باطنه بأن أكله أو احتقن به أو استعط وقيل لا فدية في الحقنة والسعوط ولو عبق به الريح دون العين بأن جلس في دكان عطار أو عند الكعبة وهي تبخر أو في بيت تبخر ساكنوه فلا فدية ثم إن لم يقصد الموضع لاشتمام الرائحة لم يكره وإلا كره على الأظهر وقال القاضي حسين يكره قطعا والقولان في وجوب الفدية والمذهب الأول ولو احتوى على مجمرة فتبخر بالعود بدنه أو ثيابه لزمه الفدية فلو مس طيبا فلم يعلق به شيء من عينه لكن عبقت به الرائحة فلا فدية على الأظهر ولو شد المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه أو وضعته المرأة في جيبها أو لبست الحلي المحشو بشىء منها وجبت الفدية لأنه استعماله قلت: ولو شد العود فلا فدية لأنه لا يعد تطيببا بخلاف شد المسك والله أعلم. ولو شم الورد فقد تطيب ولو شم ماء الورد فلا بل استعماله أن يصبه على بدنه أو ثوبه ولو حمل مسكا أو طيبا غيره في كيس أو خرقة مشدودة أو قارورة مصممة الرأس أو حمل الورد في ظرف فلا فدية نص عليه في الأم وفي وجه شاذ أنه إن كان يشم قصدا لزمه الفدية ولو حمل مسكا في فأرة غير مشقوقة فلا فدية على الأصح ولو كانت الفأرة مشقوقة أو القارورة مفتوحة الرأس قال الأصحاب وجبت الفدية وفيه نظر لأنه لا يعد تطيبا ولو جلس على فراش مطيب أو أرض مطيبة أو نام عليها مفضيا ببدنه أو ملبوسه إليها لزمه الفدية فلو فرش فوقه ثوبا ثم جلس عليه أو نام لم تجب الفدية لكن إن كان الثوب رقيقا كره ولو داس بنعله طيبا لزمه الفدية. فرع في بيان القصد فلو تطيب ناسيا لإحرامه أو جاهلا بتحريم الطيب فلا فدية وقال المزني تجب ولو علم تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية ولو علم تحريم الطيب وجهل كون الممسوس طيبا فلا فدية على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل وجهان ولو مس طيبا رطبا وهو يظنه يابسا لا يعلق به شيء منه ففي وجوب الفدية قولان رجح الإمام وغيره الوجوب ورجحت طائفة عدم الوجوب وذكر صاحب التقريب أنه القول الجديد ومتى لصق الطيب بدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بأن كان ناسيا أو ألقته الريح عليه لزمه أن يبادر إلى غسله أو ينحيه أو يعالجه بما يقطع ريحه. والأولى أن يأمر غيره بإزالته فإن باشره بنفسه لم يضر فإن أخر إزالته مع الإمكان فعليه الفدية قلت: ولو لصق به طيب يوجب الفدية لزمه أيضا المبادرة إلى إزالته والله أعلم. النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية قد سبق أن الدهن مطيب وغيره فالمطيب سبق وأما غيره كالزيت والشيرج والسمن والزبد ودهن الجوز واللوز فيحرم استعماله في الرأس واللحية فلو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه أو أمرد فدهن ذقنه فلا فدية وإن كان محلوق الرأس وجبت الفدية على لأصح ويجوز استعمال هذا الدهن في سائر البدن شعره وبشره ويجوز أكله ولو كان على رأسه شجة فجعل هذا الدهن في داخلها فلا فدية. فرع للمحرم أن يغتسل ويدخل الحمام ويزيل الوسخ عن نفسه ولا كراهة في ذلك على المشهور وبه قطع الجمهور وقيل يكره على القديم وله غسل رأسه بالسدر والخطمي لكن المستحب أن لا يفعله ولم يذكر الجمهور كراهته وحكى الحناطي كراهته على القديم وإذا غسله فينبغي أن يرفق لئلا ينتف شعره. فرع يحرم الاكتحال بما فيه طيب ويجوز بما لا طيب فيه ثم نقل المزني أنه لا بأس به وفي الإملاء أنه يكره وتوسط قوم فقالوا إن لم يكن فيه زينة كالتوتياء الأبيض لم يكره وإن كان فيه زينة كالإثمد كره إلا لحاجة الرمد ونحوه. فرع نقل الإمام عن الشافعي رحمه الله اختلاف قول في وجوب الفدية إذا خضب الرجل لحيته وعن الأصحاب طرقا في مأخذه أحدها التردد في أن الحناء طيب أم لا وهذا غريب ضعيف والأصحاب قاطعون بأنه ليس بطيب كما سبق. الثاني أن من يخضب قد يتخذ لموضع الخضاب غلافا يحيط به فهل يلحق بالملبوس المعتاد وقد سبق الخلاف فيه. الثالث وهو الصحيح أن الخضاب تزيين للشعر فتردد القول في إلحاقه بالدهن والمذهب أنه لا يلتحق ولا تجب الفدية في خضاب اللحية قال الإمام فعلى المأخذ الأول لا شيء على المرأة إذا خضبت يدها بعد الإحرام وعلى الثاني والثالث يجري التردد وقد سبق بيان خضاب يدها وشعر الرجل. فرع للمحرم أن يفتصد ويحتجم ما لم يقطع شعرا ولا بأس بنظره في المرآة ونقل أن الشافعي رحمه الله كرهه في بعض كتبه. قلت: المشهور من القولين أنه لا يكره ويجوز للمحرم إنشاد الشعر الذي يجوز للحلال إنشاده والسنة أن يلبد رأسه عند إرادة الإحرام وهو أن يعقص شعره ويضرب عليه الخطمي أو الصمغ أو غيرهما لدفع القمل وغيره وقد صحت في استحبابه الأحاديث واتفق أصحابنا عليه وصرحوا باستحبابه ونقله صاحب البحر أيضا عن الأصحاب والله أعلم. النوع الرابع الحلق والقلم فتحرم إزالة الشعر قبل وقت التحلل وتجب فيه الفدية سواء فيه شعر الرأس والبدن وسواء الإزالة بالحلق أو التقصير أو النتف أو الإحراق أو غيرها وإزالة الظفر كإزالة الشعر سواء قلمه أو كسره أو قطعه ولو قطع يده أو بعض أصابعه وعليها شعر أو ظفر فلا فدية لأنهما تابعان غير مقصودين ولو كشط جلدة الرأس فلا فدية والشعر تابع وشبهوه بما إذا أرضعت امرأته الكبيرة الصغيرة بطل النكاح ولزمها مهر الصغيرة ولو قتلتها فلا مهر عليها لاندراج البضع في القتل ولو مشط لحيته فنتف شعرا فعليه الفدية فإن شك هل كان منسلا أو انتتف بالمشط فلا فدية على الصحيح وقيل الأظهر سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الدماء أن فدية لها خصال إحداها إراقة دم فلا يتوقف وجوب كمال الدم على حلق جميع الرأس ولا على قلم جميع الأظفار بالإجماع بل يكمل الدم في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار سواء كانت من أظفار اليد أو الرجل أو منهما هذا إذا أزالها دفعة في مكان فإن فرق زمانا أو مكانا فسيأتي بعد النوع السابع إن شاء الله تعالى فإن حلق شعرة أو شعرتين فأقوال أظهرها وهو نصه في أكثر كتبه أن في الشعرة مدا من طعام وفي شعرتين مدين والثاني في شعرة درهم وفي شعرتين درهمان والثالث في شعرة ثلث دم وفي شعرتين ثلثاه والرابع في الشعرة الواحدة دم كامل والظفر كالشعرة والظفران كالشعرتين ولو قلم دون المعتاد فكتقصير الشعر ولو أخذ من بعض جوانبه ولم يستوعب رأس الظفر فإن قلنا في الظفر الواحد دم أو درهم وجب بقسطه وإن قلنا مد لم يبعض. فرع هذا الذي سبق في الحلق لغير عذر فأما الحلق لعذر فلا إثم فيه وأما الفدية ففيها صور إحداها لو كثر القمل في رأسه أو كان به جراحة أحوجه أذاها إلى الحلق أو تأذى بالحر لكثرة شعره فله الحلق وعليه الفدية الثانية لو نبتت شعرة أو شعرات داخل جفنه وتأذى بها قلعها ولا فدية على المذهب وقيل وجهان ولو طال شعر حاجبه أو رأسه وغطى عينه قطع قدر المغطى ولا فدية وكذا لو انكسر بعض ظفره وتأذى به قطع المنكسر ولا يقطع معه من الصحيح شيئا الثالثة ذكرنا أن النسيان يسقط الفدية في الطيب واللباس وكذا حكم ما عدا الوطء من الاستمتاعات كالقبلة واللمس بشهوة وفي وطء الناسي خلاف يأتي إن شاء الله تعالى وهل تجب الفدية بالحلق والقلم ناسيا وجهان أصحهما تجب وهو المنصوص والثاني مخرج في أحد قولين له في المغمى عليه إذا حلق والمجنون والصبي الذي لا يميز كمغمى عليه ولو قتل الصيد ناسيا قال الأكثرون فيه القولان كالحلق وقيل تجب قطعا. فرع حلق شعر الحلال للمحرم حلق شعر الحلال ولو حلق المحرم أو الحلال شعر المحرم أثم فإن حلق بإذنه فالفدية على المحلوق وإلا فإن كان نائما أو مكرها أو مغمى عليه فقولان أظهرهما الفدية على الحالق والثاني على المحلوق فعلى الأول لو امتنع الحالق من الفدية مع قدرته فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها وجهان أصحهما وبغير إذنه لا يجوز على الأصح كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه وإن قلنا الفدية على المحلوق نظر إن فدى بالهدي أو الإطعام رجع بأقل الأمرين من الاطعام وقيمة الشاة على الحالق وإن فدى بالصوم فأوجه أصحها لا يرجع والثاني يرجع بثلاثة أمداد من طعام لأنها بدل صومه والثالث يرجع بما يرجع به لو فدى بالهدي أو الإطعام وإذا قلنا يرجع فإنما يرجع بعد الإخراج على الأصح وعلى الثاني له أن يأخذ منه ثم يخرج وهل للحالق أن يفدي على هذا القول أما بالصوم فلا وأما بغيره فنعم لكن بإذن المحلوق وإن لم يكن نائما ولا مكرها ولا مغمى عليه لكنه سكت فلم يمنعه من الحلق فوجهان وقيل قولان أصحهما هو كما لو حلق بإذنه والثاني كما لو حلقه نائما ولو أمر حلال حلالا بحلق شعر محرم نائم فالفدية على الآمر إن لم يعرف الحالق الحال وإلا فعليه على الأصح. قلت: ولو طارت نار إلى شعره فأحرقته قال الروياني إن لم يمكنه إطفاؤها فلا شيء عليه وإلا فهو كمن حلق رأسه وهو ساكت والله أعلم. النوع الخامس الجماع وهو مفسد للحج إن وقع قبل التحللين سواء قبل الوقوف وبعده وإن وقع بينهما لم يفسد على المذهب وحكي وجه أنه يفسد وقول قديم أنه يخرج إلى أدنى الحل ويجدد منه إحرجما ويأتي بعمل عمرة وتفسد العمرة أيضا بالجماع قبل التحلل فإن قلنا الحلق نسك فهو مما يقف التحلل عليه وإلا فلا واللواط كالجماع وكذا إتيان البهيمة على الصحيح. ما سوى الحج والعمرة من العبادات لا حرمة لها بعد الفساد ويخرج منها بالفساد وأما الحج والعمرة فيجب المضي في فاسدهما وهو إتمام ما كان يعمله لولا الفساد. فرع يجب على مفسد الحج بالجماع بدنة وعلى مفسد العمرة أيضا بدنة على الصحيح و على الثاني شاة ولو جامع بين التحللين وقلنا لا يفسد لزمه شاة على الأظهر وبدنة على الثاني وفيه وجه أنه لا شيء عليه وهو شاذ منكر ولو أفسد حجه بالجماع ثم جامع ثانيا ففيه خلاف تجمعه أقوال أظهرها يجب بالجماع الثاني شاة والثاني بدنة والثالث لا شيء فيه والرابع إن كان كفر عن الأول فدى الثاني وإلا فلا والخامس إن طال الزمان بين الجماعين أو اختلف المجلس فدى عن الثاني وإلا فلا. فرع يجب على مفسد الحج القضاء بالاتفاق سواء كان الحج فرضا أو ويقع القصاء عن المفسد فإن كان فرضا وقع عنه وإن كان تطوعا فعنه ولو أفسد القضاء بالجماع لزمه الكفارة ولزمه قضاء واحد ويتصور القضاء في عام الإفساد بأن يحصر بعد الإفساد ويتعذر عليه المضي في الفاسد فيتحلل ثم يزول الحصر والوقت باق فيشتغل بالقضاء وفي وقت القضاء وجهان أصحهما على الفور والثاني على التراخي فإن كان أحرم في الأداء قبل الميقات من دويرة أهله أو غيرها لزمه أن يحرم في القضاء من ذلك الموضع فإن جاوزه غير محرم لزمه دم كالميقات الشرعي وإن كان أحرم من الميقات أحرم منه في القضاء وإن كان أحرم بعد مجاوزة الميقات نظر إن جاوزه مسيئا لزمه في القضاء الإحرام من الميقات الشرعي وليس له أن يسيء ثانيا. وهذا معنى قول الأصحاب يحرم في القضاء من أغلظ الموضعين من الميقات أو من حيث أحرم في الأداء وإن جاوزه غير مسيء بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم أفسد فوجهان أصحهما وبه قطع صاحب التهذيب وغيره أن عليه أن يحرم في القضاء من الميقات الشرعي والثاني له أن يحرم من ذلك الموضع ليسلك بالقضاء مسلك الأداء ولهذا لو اعتمر من الميقات ثم أحرم بالحج من مكة وأفسده كفاه في القضاء أن يحرم من نفس مكة ولو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدنى الحل ثم أفسدها كفاه أن يحرم في قضائها من أدنى الحل والوجهان فيمن لم يرجع إلى الميقات أما لو رجع ثم عاد فلا بد من الإحرام من الميقات ولا يجب أن يحرم بالقضاء في الزمن الذي أحرم منه بالأداء بل له التأخير عنه بخلاف المكان والفرق أن اعتناء الشرع بالميقات المكاني أكمل فإن مكان الإحرام يتعين بالنذر وزمانه لا يتعين حتى لو نذر الإحرام في شوال له قلت: ولا يلزمه في القضاء أن يسلك الطريق الذي سلكه في الأداء بلا خلاف لكن يشترط إذا سلك غيره أن يحرم من قدر مسافة الإحرام في الأداء والله أعلم. فرع لو كانت المرأة محرمة أيضا نظر إن جامعها مكرهة أو نائمة يفسد حجها وإن كانت طائعة عالمة فسد وحينئذ هل يجب على كل واحد منهما بدنة أم يجب على الزوج فقط بدنة عن نفسه أم عليه بدنة عنه وعنها فيه ثلاثة أقوال كالصوم وقطع قاطعون بإلزامها البدنة وإذا خرجت الزوجة للقضاء فهل يلزم الزوج ما زاد من النفقة بسبب السفر وجهان أصحهما يلزمه وإذا خرجا للقضاء معا استحب أن يفترقا من حين الإحرام فإذا وصلا إلى الموضع الذي أصابها فيه فقولان قال في الجديد لا تجب المفارقة وقال في القديم تجب. فرع ذكرنا في كون القضاء على الفور وجهين قال القفال هما جاريان في كل كفارة وجبت بعدوان لأنالكفارة في وضع الشرع على التراخي كالحج والكفارة بلا عدوان على التراخي قطعا وأجرى الإمام الخلاف في المتعدي بترك الصوم وقد سبق في كتاب الصوم انقسام قضاء الصوم إلى الفور والتراخي قال الإمام والمتعدي بترك الصلاة لزمه قضاؤها على الفور بلا خلاف وذكر غيره وجهين أصحهما هذا والثاني أنها على التراخي وربما رجحه العراقيون وأما غير المتعدي فالمذهب أنه لا يلزمه القضاء على الفور وبهذا قطع الأصحاب وفي التهذيب وجه أنه يلزمه على الفور لقوله صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها. فرع يجوز للمفرد بأحد النسكين إذا أفسده أن يقضيه مع الآخر قارنا وأن يتمتع ويجوز للمتمتع والقارن القضاء على سبيل الإفراد ولا يسقط دم القران بالقضاء على سبيل الإفراد وإذا جامع القارن قبل التحلل الأول فسد نسكاه وعليه بدنة واحدة لاتحاد الإحرام ويلزمه دم القران مع البدنة على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل وجهان ثم إذا اشتغل بقضائهما فإن قرن أو تمتع فعليه دم آخر وإلا فقد أشار الشيخ أبو علي إلى خلاف فيه ومال إلى أنه لا يجب شيء آخر. قلت: المذهب وجوب دم آخر إذا أفرد في القضاء وبه قطع الجمهور وممن قطع به الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي والقاضي أبو الطيب في كتابيه والمتولي وخلائق آخرون وهو مراد الإمام الرافعي بقوله في أوائل هذا الفرع: لا يسقط دم القران لكنه ناقضه بهذه الحكاية عن أبي وإن جامع بعد التحلل الأول لم يسقط واحد من نسكيه سواء كان أتى بأعمال العمرة أم لا وفيه وجه قاله الأودني أنه إذا لم يأت بشىء من أعمال العمرة كسدت عمرته وهذا شاذ ضعيف لأن العمرة في القران تتبع الحج ولهذا يحل للقارن معظم مخطورات الإحرام بعد التحلل الأول وإن لم يأت بأعمال العمرة ولو قدم القارن مكة وطاف وسعى ثم جامع بطل نسكاه وإن كان بعد أعمال العمرة. فرع إذا فات القارن الحج لفوات الوقوف فهل يحكم بفوات عمرته قولان أظهرهما نعم تبعا للحج كما تفسد بفساده والثاني لا لأنه يتحلل بعملها فإن قلنا بفواتها فعليه دم واحد للفوات ولا يسقط دم القران وإذا قضاهما فالحكم على ما ذكرناه في قضائهما عند الإفساد إن قرن أو تمتع فعليه الدم وإلا فعلى الخلاف. فرع جميع ما ذكرناه هو في جماع العامد العالم بالتحريم فأما إذا جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم فقولان الأظهر الجديد لا يفسد والقديم يفسد ولو أكره على الوطء فقيل وجهان بناء على الناسي وقيل يفسد قطعا بناء على أن إكراه الرجل على الوطء ممتنع ولو أحرم عاقلا ثم جن فجامع فيه القولان في الناسي. فرع لو أحرم مجامعا فأوجه أحدها ينعقد صحيحا فإن نزع في الحال فذاك وإلا فسد نسكه وعليه البدنة والمضي في فاسده والقضاء والثاني ينعقد فاسدا وعليه القضاء والمضي في فاسده سواء مكث أو نزع ولا تجب البدنة إن نزع في الحال وإن مكث وجبت شاة في قول وبدنة في قول كما سبق في نظائره والثالث لا ينعقد أصلا كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث. قلت: هذا الثالث أصحها والله أعلم.
إذا ارتد في أثناء حجه أو عمرته فوجهان أصحهما يفسد كالصوم والصلاة والثاني لا يفسد لكن لا يعتد بالمفعول في الردة ولا فرق على الوجهين بين طول زمنها وقصره فإذا قلنا بالفساد فوجهان أصحهما يبطل النسك من أصله ولا يمضي فيه لا في الردة ولا بعد الإسلام والثاني أنه كالإفساد بجماع فيمضي في فاسده إن أسلم لكن لا كفارة النوع السادس مقدمات الجماع فيحرم على المحرم المباشرة بشهوة كالمفاخذة والقبلة واللمس باليد بشهوة قبل التحلل الأول وفي حكمها بين التحللين ما سبق من الخلاف ومتى ثبت التحريم فباشر عمدا لزمه الفدية وإن كان ناسيا فلا شيء عليه بلا خلاف لأنه استمتاع محض ولا يفسد شيء منها نسكه ولا يوجب الفدية بحال وإن كان عمدا سواء أنزل أم لا والاستمناء باليد يوجب الفدية على الأصح ولو باشر دون الفرج ثم جامع هل تدخل الشاة في البدنة أم تجبان معا وجهان. قلت: الأصح تدخل ولا يحرم اللمس بغير شهوة وأما قوله في الوسيط و الوجيز تحرم كل مباشرة تنقض الوضوء فشاذ بل غلط والله أعلم. فرع نكاح المحرم وإنكاحه لا ينعقد نكاح المحرم ولا إنكاحه ولا نكاح المحرمة والمستحب ترك الخطبة للمحرم والمحرمة وتمام هذه المسألة في كتاب النكاح. النوع السابع الاصطياد فيحرم عليه كل صيد مأكول أو في أصله مأكول ليس مائيا وحشيا كان أو في أصله وحشي ولا فرق بين المستأنس وغيره ولا بين المملوك وغيره ويجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيا ومذبوحا لمالكه إذا رده إليه مذبوحا قلت: قال أصحابنا هذا إذا قلنا ذبيحة المحرم حلال فإن قلنا ميتة لزمه له كل القيمة وقد ذكره الرافعي بعد هذا بقليل وقال الماوردي وغيره وإذا قلنا ميتة فالجلد للمالك والله أعلم. وقال المزني لا جزاء في المملوك ولو توحش حيوان إنسي لم يحرم لأنه ليس بصيد ويحرم التعرض لأجزاء الصيد بالجرح والقطع ولو جرحه فنقصت قيمته فسيأتي بيان ما يجب بنقصه إن شاء الله تعالى وإن برأ ولم يبق نقص ولا أثر فهل يلزمه شيء وجهان كالوجهين في جراحة الآدمي إذا اندملت ولم يبق نقص ولا شين ويجريان فيما لو نتف ريشه فعاد كما كان وبيض الطائر المأكول مضمون بقيمته فإن كانت مذرة فلا شيء عليه بكسرها إلا بيضة النعامة ففيها قيمتها لأن قشرها قد ينتفع به ولو نفر صيدا عن بيضته التي حضنها ففسدت لزمه قيمتها ولو أخذ بيض دجاجة فأحضنه صيدا ففسد بيض الصيد أو لم يحضنه ضمنه لأن الظاهر أن فساد بيضه بسبب ضم بيض الدجاجة إليه ولو أخذ بيض صيد وأحضنه دجاجة فهو في ضمانة حتى يخرج الفرخ ويسعى فلو خرج ومات قبل الامتناع لزمه مثله من النعم ولو كسر بيضة فيها فرخ له روح فطار وسلم فلا شيء عليه وإن مات فعليه مثله من النعم ولو حلب لبن صيد ضمنه قاله كثيرون من أصحابنا العراقيين وغيرهم وقال الروياني لا يضمن. ما ليس بمأكول من الدواب والطيور ضربان ما ليس له أصل مأكول وما أحد أصليه مأكول فالأول لا يحرم التعرض له بالإحرام ولا جزاء على المحرم بقتله ثم من هذا الضرب ما يستحب قتله للمحرم وغيره وهي المؤذيات كالحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والغراب والحدأة والذئب والأسد والنمر والدب والنسر والعقاب والبرغوث والبق والزنبور ولو ظهر القمل على بدن المحرم أو ثيابه لم يكره تنحيته ولو قتله لم يلزمه شيء ويكره له أن يفلي رأسه ولحيته فإن فعل فأخرج منهما قملة وقتلها تصدق ولو بلقمة نص عليه الشافعي رحمه الله قال الأكثرون هذا التصدق مستحب وقيل واجب لما فيه من إزالة الأذى عن الرأس قلت: قال الشافعي رحمه الله تعالى وللصئبان حكم القمل وهو بيض القمل والله أعلم ومنه ما فيه منفعة ومضرة كالفهد والصقر والبازي فلا يستحب قتلها لنفعها ولا يكره لضررها ومنه ما لا يظهر فيه منفعة ولا ضرر كالخنافس والجعلان والسرطان والرخم والكلب الذي ليس بعقور فيكره قتلها ولا يجوز قتل النمل والنحل والخطاف والضفدع وفي وجوب الجزاء بقتل الهدهد والصرد خلاف مبني على الخلاف في جواز أكلهما. قلت: قوله إن الكلب الذي ليس بعقور يكره قتله مراده كراهة تنزيه وفي كلام غيره ما يقتضي التحريم والمراد الكلب الذي لا منفعة فيه مباحة فأما ما فيه منفعة مباحة فلا يجوز قتله بلا الضرب الثاني ما أحد أصليه مأكول كالمتولد بين الذئب والضبع وبين حماري الوحش والإنس فيحرم التعرض له ويجب الجزاء فيه. قلت: قال الشافعي رحمه الله فإن شك في شيء من هذا فلم يدر أخالطه وحشي مأكول أم لا استحب فداؤه والله أعلم. فرع الحيوان الإنسي كالنعم والخيل والدجاج يجوز للمحرم ذبحها ولا جزاء والمتولد بين الإنسي والوحشي كالمتولد بين الظبي والشاة أو بين اليعقوب والدجاجة يجب فيه الجزاء كالمتولد بين المأكول وغيره. فرع صيد البحر حلال للمحرم وهو ما لا يعيش إلا في البحر أما ما يعيش في البر والبحر فحرام كالبري وأما الطيور المائية التي تغوص في الماء وتخرج فبرية والجراد بري على المشهور.
جهات ضمان الصيد ثلاث المباشرة والتسبب واليد فالمباشرة معروفة وأما التسبب فموضع ضبطه كتاب الجنايات ويذكر هنا صور إحداها لو نصب الحلال شبكة في الحرم أو نصبها المحرم حيث كان فتعقل بها صيد وهلك فعليه الضمان سواء نصبها في ملكه أو غيره. قلت: ولو نصب الشبكة أو الأحبولة وهو حلال ثم أحرم فوقع بها صيد لم يلزمه شيء ذكره القفال وصاحب البحر وغيرهما وهو معنى نص الشافعي رحمه الله تعالى والله أعلم. الثانية لو أرسل كلبا أو حل رباطه ولم يرسله فأتلف صيدا لزمه ضمانه ولو انحل الرباط لتقصيره فيه ضمن على المذهب هذا إذا كان هناك صيد فإن لم يكن فأرسل الكلب أو حل رباطه فظهر صيد ضمنه أيضا على الأصح. قلت: قال القاضي أبو حامد وغيره يكره للمحرم حمل البازي وكل صائد فإن حمله فأرسله على صيد فلم يقتله فلا جزاء لكن يأثم ولو انفلت بنفسه فقتله فلا ضمان والله أعلم. الثالثة لو نفر المحرم صيدا فعثر وهلك به أو أخذه سبع أو انصدم بشجرة أو جبل لزمه الضمان سواء قصده تنفيره أم لا ويكون ف عهدة التنفير حتى يعود الصيد إلى عادته في السكون فإن هلك بعد ذلك فلا ضمان ولو هلك قبل سكون النفار بآفة سماوية فلا ضمان على الأصح إذ لم يتلف بسببه ولا في يده ووجه الثاني استدامة أثر النفار الرابعة لو حفر المحرم بئرا حيث كان أو حفرها حلال في الحرم في محل عدوان فهلك فيها صيد لزمه الضمان قلت: وقيل إن حفرها للصيد ضمن وإلا فلا واختاره صاحب الحاوي والله أعلم. فرع لو دل الحلال محرما على صيد فقتله وجب الجزاء على ضمان على الحلال سواء كان في يده أم لا لكنه يأثم ولو دل المحرم حلالا على صيد فقتله فإن كان في يد المحرم لزمه الجزاء لأنه ترك حفظه وهو واجب فصار كالمودع إذا دل السارق وإلا فلا جزاء على واحد منهما ولو أمسك محرم صيدا حتى قتله غيره فإن كان القاتل حلالا وجب الجزاء على المحرم وهل يرجع به على الحلال وجهان قال الشيخ أبو حامد لا لأنه غير حرام عليه وقال القاضي أبو الطيب نعم وبه قطع في التهذيب كما لو غصب شيئا فأتلفه إنسان في يده قلت: الأصح الأول لأنه غير مضمون في حقه بخلاف المغصوب والله أعلم. وإن كان محرما أيضا فوجهان أصحهما الجزاء كله على القاتل والثاني عليهما نصفين وقال صاحب العدة الأصح أن الممسك يضمنه باليد والقاتل بالإتلاف فإن أخرج الممسك الضمان رجع به على المتلف إن أخرج المتلف لم يرجع على الممسك. قلت: قال صاحب البحر لو رمى حلال صيدا ثم أحرم ثم أصابه ضمنه على الأصح ولو رمى محرم ثم تحلل بأن قصر شعره ثم أصابه فوجهان ولو رمى صيدا فنفذ منه إلى صيد آخر فقتلهما الجهة الثالثة اليد فيحرم على المحرم إثبات اليد على الصيد ابتداء ولا يحصل به الملك وإذا أخذه ضمنه كالغاصب بل لو حصل التلف بسبب في يده بأن كان راكب دابة فتلف صيد بعضها أو رفسها أو بالت في الطرق فزلق به صيد فهلك لزمه الضمان ولو انفلت بعيره فأتلف صيدا فلا شيء عليه نص على هذا كله ولو تقدم ابتداء اليد على الإحرام بأن كان في يده صيد مملوك له لزمه إرساله على الأظهر والثاني لا يلزمه وقيل لا يلزمه قطعا بل يستحب فإن لم نوجب الإرسال فهو لى ملكه له بيعه وهبته لكن لا يجوز له قتله فإن قتله لزمه الجزاء كما لو قتل عبده تلزمه الكفارة ولو أرسله غيره أو قتله لزمه قيمته للمالك ولا شيء على المالك وإن أوجبنا الإرسال فهل يزول ملكه عنه قولان أظهرهما يزول فعلى هذا لو أرسله غيره أو قتله فلا شيء عليه ولو أرسله المحرم فأخذه غيره ملكه ولو لم يرسله حتى تحلل لزمه إرساله على الأصح المنصوص وحكى الإمام على هذا القول وجهين في أنه يزول ملكه بنفس الإحرام أم الإحرام يوجب عليه الإرسال فإذا أرسل زال حينئذ وأولهما أشبه بكلام الجمهور وإن قلنا لا يزول ملكه فليس لغيره أخذه فلو أخذه لم يملكه ولو قتله ضمنه وعلى القولين لو مات في يده بعد إمكان الإرسال لزمه الجزاء لأنهما مفرعان على وجوب لإرسال وهو مقصر بالإمساك ولو مات الصيد قبل إمكان الإرسال وجب الجزاء على الأصح فرع لو اشترى المحرم صيدا أو اتهبه أو أوصي له به على ما سبق فإن قلنا يزول ملكه عن الصيد بالإحرام لم يملكه بهذه الأسباب وإلا ففي صحة الشراء والهبة قولان كشراء الكافر عبدا مسلما فإن لم نصحح هذه العقود فليس له القبض فإن قبض فهلك في يده لزمه الجزاء ولزمه القيمة للبائع فإن رده عليه سقطت القيمة ولم يسقط ضمان الجزاء إلا بالإرسال وإذا أرسل كان كمن اشترى عبدا مرتدا فقتل في يده وفيمن يتلف من ضمانه خلاف موضعه كتاب البيع. قلت: كذا ذكر الإمام الرافعي هنا أنه إذا هلك في يده ضمنه بالقيمة للآدمي مع الجزاء وهذا في الشراء صحيح أما في الهبة فلا يضمن القيمة على الأصح لأن العقد الفاسد كالصحيح في الضمان والهبة غير مضمونة وقد ذكر الرافعي هذا الخلاف في كتاب الهبة وسيأتي إن شاء الله تعالى والله أعلم. فرع لو مات للمحرم قريب يملك صيدا ورثه على المذهب وقيل هو كالشراء فإن قلنا يرث قال الإمام والغزالي يزول ملكه عقب ثبوته بناء على أن الملك زول عن الصيد بالإحرام وفي التهذيب وغيره خلافه لأنهم قالوا إذا ورثه لزمه إرساله فإن باعه صح بيعه ولا يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشتري وجب الجزاء على البائع وإنما يسقط عنه إذا أرسله المشتري وإن قلنا لا يرث فالملك في الصيد لباقي الورثة وإحرامه بالنسبة إلى الصيد مانع من موانع الإرث كذا قاله في التتمة وقال الشيخ أبو القاسم الكرخي على هذا الوجه إنه أحق به فيوقف حتى يتحلل فيتملكه. قلت: هذا المنقول عن أبي القاسم الكرخي هو الصحيح بل الصواب المعروف على المذهب وبه قطع الأصحاب في الطريقين فممن صرح به الشيخ أبو حامد والدارمي وأبو علي البندنيجي والمحاملي في كتابيه والقاضي أبو الطيب في المجرد وصاحب الحاوي والقاضي حسين وصاحبا العدة و البيان قال الدارمي فإن مات الوارث قبل تحلله قام وارثه مقامه والله أعلم. فرع لو اشترى صيدا فوجده معيبا وقد أحرم البائع فإن قلنا يملك بالإرث رده عليه وإلا فوجهان لأن منع الرد إضرار بالمشتري ولو باع صيدا وهو حلال فأحرم ثم أفلس المشتري بالثمن لم يكن له الرجوع على الأصح كالشراء بخلاف الإرث فإنه قهري. فرع لو استعار المحرم صيدا أو أودع عنده كان مضمونا عليه بالجزاء وليس له التعرض له فإن أرسله سقط عنه الجزاء وضمن القيمة للمالك فإن رد إلى المالك لم يسقط عنه الجزاء ما لم يرسله المالك قلت: نقل صاحب البيان في باب العارية عن الشيخ أبي حامد أن المحرم إذا استودع صيدا لحلال فتلف في يده لم يلزمه الجزاء لأنه لم يمسكه لنفسه والله أعلم. فرع حيث صار الصيد مضمونا على المحرم بالجزاء فإن قتله حلال في يده فالجزاء على المحرم وإن قتله محرم آخر فهل الجزاء عليهما أم على القاتل ومن في يده طريق فيه وجهان قلت: أصحهما الثاني والله أعلم. فرع لو خلص المحرم صيدا من سبع أو هرة أو نحوهما واخذه ليداويه ويتعهده فمات في يده لم يضمن على الأصح. فرع الناسي كالعامد في وجوب الجزاء ولا أثم وقيل في وجوب الجزاء عليه قولان والمذهب الوجوب ولو أحرم ثم جن فقتل صيدا ففي وجوب الجزاء قولان نص عليهما قلت: أظهرهما لا تجب والله فرع لو صال صيد على محرم أو في الحرم فقتله دفعا فلا إنسان صيدا وصال على محرم ولا يمكنه دفعه إلا بقتل الصيد فقتله فالمذهب وجوب الجزاء على المحرم وبه قطع الأكثرون لأن الأذى ليس من الصيد وحكى الإمام أن القفال ذكر فيه وجهين أحدهما الضمان على الراكب ولا يطالب به المحرم والثاني يطالب المحرم ويرجع بما غرم على الراكب. فرع لو ذبح صيدا في مخمصة وأكله ضمن لأنه أهلكه لمنفعته من إيذاء من الصيد ولو أكره محرم على قتل صيد فقتله فوجهان أحدهما الجزاء على الآمر والثاني على المحرم ويرجع به على الآمر سواء صيد الحرم أو الإحرام قلت: الثاني أصح والله أعلم. فرع ذكرنا أن الجراد وبيضه مضمونان بالقيمة فلو وطئه عامدا أو جاهلا ضمن ولو عم المسالك ولم يجد بدا من وطئه فوطئه فالأظهر أنه لا ضمان وقيل لا ضمان قطعا ولو باض صيد في فراشه ولم يمكنه رفعه إلا بالتعرض للبيض ففسد بذلك ففيه هذا الخلاف. إذا ذبح المحرم صيدا لم يحل له الأكل منه وهل يحل لغيره أم يكون ميتة فيه قولان الجديد أنه ميتة فعلى هذا إن كان مملوكا وجب مع الجزاء قيمته للمالك والقديم لا يكون ميتة فيحل لغيره فإن كان مملوكا لزمه مع الجزاء ما بين قيمته مذبوحا وحيا وهل يحل له بعد زوال الإحرام وجهان أصحهما لا وفي صيد الحرم إذا ذبح طريقان أصحهما طرد القولين والثاني القطع بالمنع لأنه محرم على جميع الناس وفي جميع الأحوال. قلت: قال صاحب البحر قال أصحابنا إذا كسر بيض صيد فحكم البيض حكم الصيد إذا ذبحه فيحرم عليه قطعا وفي غيره القولان وكذا إذا كسره في الحرم قال أصحابنا وكذا لو قتل المحرم الجراد قال وقيل يحل البيض لغيره قطعا بخلاف الصيد المذبوح على أحد القولين لأن إباحته تقف على الزكاة بخلاف البيض وعلى هذا لو بلعه إنسان قبل كسره لم يحرم وهذا اختيار الشيخ أبي حامد والقاضي الطبري قال الروياني وهو الصحيح والله أعلم.
الصيد ضربان مثلي وهو ما له مثل من النعم وغير مثلي فالمثلي جزاؤه على التخيير والتعديل فيتخير بين أن يذبح مثله فيتصدق به على مساكين الحرم إما بأن يفرق اللحم عليهم وإما بأن يملكهم جملته مذبوحا ولا يجوز أن يدفعه حيا وبين أن يقوم المثل دراهم ثم لا يجوز أن يتصدق بالدراهم لكن إن شاء اشترى بها طعاما وتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء صام عن كل مد من الطعام يوماً حيث كان وأما غير المثلي ففيه قيمته ولا يتصدق بها دراهم بل يجعلها طعاما ثم إن شاء تصدق به وإن شاء صام عن كل مد يوماً فان انكسر مد في الضربين صام يوماً فحصل من هذا أنه في المثلي مخير بين الحيوان والطعام والصيام وفي غيره مخير بين الطعام والصوم هذا هو المذهب والمقطوع به في كتب الشافعي والأصحاب وروى أبو ثور قولا أنها على الترتيب وإذا لم يكن الصيد مثليا فالمعتبر قيمته بمحل الإتلاف وإلا فقيمته بمكة ويومئذ لأن محل ذبحه مكة فإذا عدل عن ذبحه وجبت قمته بمحل الذبح هذا نصه في المسألتين وهو المذهب وقيل فيهما قولان وحيث اعتبرنا محل الإتلاف فللإمام احتمالان في أنه يعتبر في العدول إلى الطعام سعر الطعام في ذلك المكان أم سعره بمكة والظاهر منهما الثاني. فرع في بيان المثلي اعلم أن المثل ليس معتبرا على التحقيق على التقريب وليس معتبرا في القيمة بل في الصورة والخلقة والكلام في الدواب ثم الطيور أما الدواب فما ورد فيه نص أو حكم فيه صحابيان أو عدلان من التابعين أو من بعدهم من النعم أنه مثل الصيد المقتول اتبع ولا حاجة إلى تحكيم غيرهم وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش وحكمت الصحابة رضي الله عنهم في النعامة ببدنه وفي حمار الوحش وبقرته ببقرة وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وعن عثمان رضي الله عنه أنه حكم في أم حبين بحلان وعن عطاء ومجاهد أنهما حكما في الوبر بشاة قال الشافعي رحمه الله تعالى إن كانت العرب تأكله ففيه جفرة لأنه ليس أكبر بدنا منها وعن عطاء في الثعلب شاة وعن عمر رضي الله عنه في الضب جدي وعن بعضهم في الإبل بقرة أما العناق فالأنثى من المعز من حين تولد إلى حين ترعى والجفرة الأنثى من ولد المعز تفطم وتفصل عن أمها فتأخذ في الرعي وذلك بعد أربعة أشهر والذكر جفر هذا معناها في اللغة لكن يجب أن يكون المراد بالجفر هنا ما دون العناق فإن الأرنب خير من اليربوع. أما أم حبين فدابة على خلقة الحرباء عظيمة البطن وفي حل أكلها خلاف مذكور في الأطعمة ووجوب الجزاء يخرج على الخلاف وأما الحلان ويقال الحلام فقيل هو الجدي وقيل الخروف ووقع في بعض كتب الأصحاب في الظبي كبش وفي الغزال عنز وكذا قاله أبو القاسم الكرخي وزعم أن الظبي ذكر الغزلان وأن الأنثى غزال قال الإمام هذا وهم بل الصحيح أن في الظبي عنزا وهو شديد الشبه بها فإنه أجرد الشعر متقلص الذنب وأما الغزال فولد الظبي فجب فيه ما يجب في الصغار. قلت: قول الإمام هو الصواب قال أهل اللغة الغزال ولد الظبية إلى حين يقوى ويطلع قرناه ثم هي ظبية والذكر ظبي والله أعلم. هذا بيان ما فيه حكم أما ما لانقل فيه عن السلف فيرجع فيه إلى قول عدلين فقيهين فطنين وهل يجوز أن يكون قاتل الصيد أحد الحكمين أو يكون قاتلاه الحكمين نظر إن كان القتل عدوانا فلا لأنه يفسق وإن كان خطأ أو مضطرا إليه جاز على الأصح ولو حكم عدلان أن له مثلا وعدلان أن لا مثل له فهو مثلي. قلت: ولو حكم عدلان بمثل وعدلان بمثل آخر فوجهان في الحاوي و البحر أصحهما يتخير والثاني يلزمه الأخذ بأعظمهما وهما مبنيان على اختلاف المفتيين والله أعلم. وأما الطيور فحمام وغيره فالحمامة فيها شاة وغيرها إن كان أصغر منها جثة كالزرزور والصعوة والبلبل والقبرة والوطواط ففيه القيمة وإن كان أكبر من الحمام أو مثله فقولان الجديد وأحد قولي القديم الواجب القيمة والثاني شاة والمراد بالحمام كل ما عب في الماء وهو أن يشربه جرعا وغير الحمام يشرب قطر قطرة وكذا نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل ولا حاجة في وصف الحمام إلى ذكر الهدير مع العب فإنهما متلازمان ولهذا اقتصر الشافعي رضي الله عنه على العب ويدخل في اسم الحمام اليمام التي تألف البيوت والقمري والفاختة والدبسي والقطاة. فرع يفدى الكبير من الصيد بالكبير من مثله من النعم والصغير والمريض بالمريض والمعيب بالمعيب إذا اتحد جنس العيب كالعور والعور وإن اختلف كالعور والجرب فلا وإن كان عور أحدهما في اليمين والآخر في اليسار ففي إجزائه وجهان الصحيح الإجزاء وبه قطع العراقيون لتقاربهما ولو قابل المريض بالصحيح أو المعيب بالسليم فهو أفضل وإن فدى الذكر بالأنثى فطرق أصحها على قولين أظهرهما الإجزاء والطريق الثاني القطع بالجواز والثالث إن أراد الذبح لم يجز وإن أراد التقويم جاز لأن قيمة الأنثى أكثر ولحم الذكر أطيب والرابع إن لم تلد الأنثى جاز وإلا فلا فإن جوزنا الأنثى فهل هي أفضل فيه وجهان. قلت: أصحهما تفضيل الذكر للخروج من الخلاف والله أعلم. وإن فدى الأنثى بالذكر فوجهان وقيل قولان قلت: أصحهما الإجزاء وصححه البندنيجي والله أعلم. وقال الإمام الخلاف فيما إذا لم ينقص اللحم في القيمة ولا في الطيب فإن كان واحد من هذين النقصين لم يجز بلا خلاف. فرع لو قتل صيدا حاملا قابلناه بمثله حاملا ولا يذبح الحامل بل يقوم لمثل حاملا ويتصدق بقيمته طعاما وفيه وجه أنه يجوز ذبح حائل نفيسة بقيمة حامل وسط ويجعل التفاوت بينهما كالتفاوت بين الذكر والأنثى ولو ضرب بطن صيد حامل فألقى جنبنا ميتا نظر إن ماتت الأم أيضا فهو كقتل الحامل وإلا ضمن ما نقصت الأم ولا يضمن الجنين بخلاف جنين الأمة يضمن بعشر قيمة الأم لأن الحمل يزيد في قيمة البهائم وينقص الآدميات فلا يمكن اعتبار التفاوت في الآدميات وإن ألقت جنينا حيا ثم ماتا ضمن كل واحد منهما بانفراده وإن مات الولد وعاشت الأم ضمن الولد بانفراد وضمن نقص الأم. فرع قال الشافعي رحمه الله في المختصر إن جرح ظبيا نقص عشر فعليه عشر قيمة شاة وقال المزني تخريجا عليه عشر شاة قال جمهور الأصحاب الحكم ما قاله المزني وإنما ذكر الشافعي القيمة لأنه قد لا يجد شريكا في ذبح شاة فأرشده إلى ما هو أسهل فإن جزاء الصيد على التخيير فعلى هذا هو مخير إن شاء أخرج العشر وإن شاء صرف قيمته في طعام تصدق به وإن شاح صام عن كل مد يوماً ومنهم من جرى على ظاهر النص وقال الواجب عشر القيمة وجعل في المسألة قولين المنصوص وتخريج المزني فعلى هذا إذا قلنا بالمنصوص فأوجه أصحها تتعين الصدقة بالدراهم والثاني لا تجزئه الدراهم بل يتصدق بالطعام أو يصوم والثالث يتخير بين عشر المثل وبين إخراج الدراهم والرابع إن وجد شريكا في الدم أخرجه ولم تجزئه الدراهم وإلا أجزأته هذا في الصيد المثلي وأما غير المثلي فالواجب ما نقص من قيمته قطعا. قلت: لو قتل نعامة فأراد أن يعدل عن البدنة إلى بقرة أو سبع شياه لم يجز على الأصح ذكره في البحر والله أعلم. فرع لو جرح صيدا فاندمل جرحه وصار زمنا فوجهان أصحهما يلزمه جزاء كامل كما لو أزمن عبدا لزمه كل قيمته والثاني أرش النقص وعلى هذا يجب قسط من المثل أو من قيمة المثل فيه الخلاف السابق في الفرع: قبله ولو جاء محرم آخر فقتله بعد الاندمال أو قبله فعليه جزاؤه زمنا ويبقي الجزاء على الأول بحاله وقيل إن أوجبنا جزاء كاملا عاد هنا إلى قدر النقص لأنه يبعد إيجاب جزاءين لمتلف واحد ولو عاد المزمن فقتله نظر إن قتله قبل الاندمال لزمه جزاء واحد كما لو قطع يدي رجل ثم قتله فعليه دية وفي وجه أن أرش الطرف ينفرد عن دية النفس فيجيء مثله هنا وإن قتله بعد الاندمال أفرد كل واحد بحكمه ففي القتل جزاؤه زمنا وفيما يجب بالإزمان الخلاف السابق وإذا أوجبنا بالإزمان جزاءا كاملا وكان للصيد امتناعان كالنعامة تمتنع بالعدو وبالجناح فأبطل أحد امتناعيه فوجهان أحدهما يتعدد الجزاء لتعدد الامتناع وأصحهما لا لاتحاد الممتنع وعلى هذا فما الواجب قال الإمام الغالب على الظن أنه يعتبر ما نقص لأن امتناع النعامة في الحقيقة واحد إلا أنه يتعلق بالرجل والجناح فالزائل بعض الامتناع. فرع جرح صيدا فغاب ثم وجد ميتا ولم يدر أمات بجراحته يلزمه جزاء كامل أم أرش الجرح فقط قولان. قلت: أظهرهما الثاني والله أعلم. فرع إذا اشترك محرمون في قتل صيد حرمي أو غيره لزمهم جزاء ولو قتل القارن صيدا لزمه جزاء واحد وكذا لو ارتكب محظورا آخر فعليه فدية واحدة ولو اشترك محرم وحلال في قتل صيد لزم المحرم نصف الجزاء ولا شيء على الحلال. قد سبق أنه يحرم على المحرم أكل الصيد الذي ذبحه وكذا عليه أكل ما اصطاده له حلال أو بإعانته أو بدلالته بلا خلاف فإن أكل منه فقولان الجديد لا جزاء عليه والقديم يلزمه القيمة بقدر ما أكل ولو أكل المحرم ما ذبحه بنفسه لم يلزمه لأكله بعد الذبح شيء آخر بلا خلاف كما لا يلزمه في أكل صيد المحرم بعد الذبح شيء آخر. فرع يجوز للمحرم أكل صيد ذبحه الحلال إذا لم صده له أو إعانته ولا جزاء عليه قطعا. فصل صيد حرم مكة حرام على المحرم والحلال وبيان المحرم منه وما يجب به الجزاء وقدر الجزاء يقاس بما سبق في صيد الإحرام ولو أدخل حلال الحرم صيدا مملوكا كان له إمساكه وذبحه والتصرف فيه كيف شاء كالنعم لأنه صيد حل ولو رمى من الحل صيدا في الحرم أو من الحرم صيدا في الحل أو أرسل كلبا في الصورتين أو رمى صيدا بعضه في الحل وبعضه في الحرم والاعتبار بقوائمه لا بالرأس أو رمى حلال إلى صيد فأحرم قبل أن يصيبه أو رمى محرم إليه فتحلل قبل أن يصيبه لزمه الضمان في كل ذلك. قلت: هذا الذي ذكره فيما إذا كان بعضه في الحرم هو الأصح وذكر الجرجاني في المعاياة فيه ثلاثة أوجه أحدها لا يضمنه لأنه لم يكمل حرميا والثاني إن كان أكثره في الحرم ضمنه وإن كان أكثره في الحل فلا. والثالث إن كان خارجا من الحرم إلى الحل ضمنه وإن كان عكسه فلا والله أعلم. ولو رمى من الحل صيدا في الحل فقطع السهم في مروره هواء الحرم فوجهان أحدهما لا يضمن كما لو أرسل كلبا في الحل على صيد في الحل فتخطى طرف الحرم فإنه لا يضمن وأصحهما يضمن بخلاف الكلب لأن للكلب اختيارا بخلاف السهم ولهذا قال الأصحاب لو رمى صيدا في الحل فعدا الصيد فدخل الحرم فأصابه السهم وجب الضمان وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب ولو رمى صيدا في الحل فلم يصبه وأصاب صيدا في الحرم وجب الضمان وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب ثم في مسألة إرسال الكلب وتخطيه طرف الحرم إنما لا يجب الضمان إذا كان للصيد مفر آخر فأما إذا تعين دخوله الحرم عند الهرب فيجب الضمان قطعا سواء كان المرسل عالما بالحال أو جاهلا غير أنه لا يأثم الجاهل. فرع لو أخذ حمامة في الحل أو أتلفها فهلك فرخها في الحرم يضمنها ولو أخذ الحمامة من الحرم أو قتلها فهلك فرخها في الحل ضمن الحمامة والفرخ جميعا كما لو رمى من الحرم إلى الحل ولو نفر صيدا حرميا عامدا أو غير عامد تعرض للضمان حتى لو مات بسبب التنفير بصدمة أو أخذ سبع لزمه الضمان وكذا لو دخل الحل فقتله حلال فعلى المنفر الضمان بخلاف ما لو قتله محرم فإن الجزاء عليه تقديما للمباشرة. فرع لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا لزمه الضمان وقال صاحب المهذب يحتمل أن لا يلزمه
كاصطياد صيده وهل يتعلق به الضمان قولان أظهرهما نعم والقديم لا ثم النبات شجر وغيره أما الشجر فيحرم التعرض بالقلع والقطع لكل شجر رطب غير مؤذ حرمي فيخرج بقيد الرطب اليابس فلا شيء في قطعه كما لو قد صيدا ميتا نصفين وبقيد غير مؤذ العوسج وكل شجرة ذات شوك فإنها كالحيوان المؤذي فلا يتعلق بقطعها ضمان على الصحيح الذي قطع به الجمهور وفي وجه اختاره صاحب التتمة أنها مضمونة لإطلاق الخبر ويخالف الحيوان فإنه يقصد بالأذية ويخرج بقيد الحرمي أشجار الحل فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحل محافظة على حرمتها ولو نقل فعليه ردها بخلاف ما لو نقل من بقعة من الحرم إلى أخرى لا يؤمر بالرد وسواء نقل أشجار الحرم أو أغصانها إلى الحل أو إلى الحرم ينظر إن يبست لزمه الجزاء وإن نبتت في الموضع المنقول إليه فلا جزاء عليه. فلو قلعها قالع لزمه الجزاء إبقاء لحرمة الحرم ولو قلع شجرة من الحل وغرسها في الحرم فنبتت لم يثبت لها حكم الحرم بخلاف الصيد يدخل الحرم فيجب الجزاء بالتعرض له لأن الصيد ليس بأصل ثابت فاعتبر مكانه والشجر أصل ثابت فله حكم منبته حتى لو كان أصل الشجرة في الحرم وأغصانها في الحل فقطع من أغصانها شيئا وجب الضمان للغصن ولو كان عليه صيد فأخذه فلا ضمان وعكسه لو كان أصلها في الحل وأغصانها في الحرم فقطع غصنا منها فلا شيء عليه ولو كان عليه صيد فأخذه لزمه ضمانه. قلت: قال صاحب البحر لو كان بعض أصل الشجرة في الحل وبعضه في الحرم فلجميعها حكم الحرم قال بعض أصحابنا لو انتشرت أغصان الشجرة الحرمية ومنعت الناس الطريق أو آذتهم جاز قطع المؤذي منها والله أعلم. فرع إذا أخذ غصنا من شجرة حرمية ولم يخلف فعليه ضمان النقصان سبيل جرح الصيد وإن أخلف في تلك السنة لكون الغصن لطيفا كالسواك وغيره فلا ضمان وإذا أوجبنا الضمان فنبت فرع يجوز أخذ أوراق الأشجار لكن لا يخبطها مخافة من أن يصيب قشورها. فرع يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة وإن شاء ببدنة وما دونها بشاة والمضمونة بشاة ما كانت قريبة من سبع الكبيرة فإن صغرت جدا فالواجب القيمة ثم ذلك كله على التعديل والتخيير كالصيد. فرع هل يعم التحريم والضمان من الأشجار ما ينبت بنفسه وما يستنبت أم يختص بالضرب الأول فيه طريقان أصحهما على قولين أظهرهما عند العراقيين والأكثرين من غيرهم التعميم والثاني التخصيص وبه قطع الإمام والغزالي. والطريق الثاني القطع بالتعميم فإذا قلنا بالتخصيص زاد قيد آخر وهو كون الشجر مما ينبت بنفسه وعلى هذا يحرم الأراك والطرفاء وغيرهما من أشجار البوادي وأدرج الإمام فيه العوسج لكنه ذو شوك وقد سبق بيانه ولا تحرم المستنبتات مثمرة كانت كالنخل والعنب أو غير مثمرة كالخلاف وعلى هذا القول لو نبت ما يستنبت أو عكسه فالصحيح الذي قاله الجمهور أن الاعتبار بالجنس فيجب الضمان في الثاني دون الأول وقيل الاعتبار بالقصد فينعكس أما غير فإن أخلف فلا قيمة قطعا لأن الغالب هنا الإخلاف كسن الصبي فلو كان يابسا فلا شيء في قطعه كما سبق في الشجر فلو قلعه لزمه الضمان لأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا ذكره في التهذيب ويجوز تسريح البهائم في حشيشه لترعى ولو أخذ الحشيش لعلف البهائم جاز على الأصح ويستثنى من المنع الإذخر فإنه يجوز لحاجة السقوف وغيرها للحديث الصحيح ولو احتيج إلى شيء من نبات الحرم للدواء جاز قطعه على الأصح. فرع نقل تراب الحرم وأحجاره يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع ولا يكره ماء زمزم قال الشيخ أبو الفضل بن عبدان ولا يجوز قطع شيء من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما تفعله العامة يشترونه من بني شيبة وربما وضعوه في أوراق المصاحف ومن حمل منه شيئا لزمه رده. قلت: الأصح أنه لا يجوز إخراج تراب الحرم ولا أحجاره إلى الحل ويكره إدخال تراب الحل وأحجاره الحرم وبهذا قطع صاحب المهذب والمحققون من أصحابنا وأما ستر الكعبة فقد قال الحليمي رحمه الله أيطا لا ينبغي أن يؤخذ منها شيء وقال صاحب التلخيص لا يجوز بيع أستار الكعبة وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله بعد أن ذكر قول ابن عبدان والحليمي الأمر فيها إلى الإمام يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء واحتج بما رواه الأزرقي صاحب كتاب مكة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كروة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج. وهذا الذي اختاره الشيخ حسن متعين لئلا يتلف بالبلى وبه قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم قالوا ويلبسها من صارت إليه من جنب وحائض وغيرهما ولا يجوز أخذ طيب الكعبة فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه والله أعلم. فصل التعرض لصيد حرم المدينة وشجره لا يتعرض لصيد حرم المدينة وشجره وهو حرام على المذهب وحكي قول ووجه أنه مكروه فإذا حرمناه ففي الضمان قولان الجديد لا يضمن والقديم يضمن وفي ضمانه وجهان أحدهما كحرم مكة وأصحهما أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر وفي المراد بالسلب وجهان الصحيح وبه قطع الأكثرون كسلب القتيل من الكفار والثاني ثيابه فقط وفي مصرفه أوجه الصحيح أنه للسالب كالقتيل والثاني لفقراء المدينة والثالث لبيت المال واعلم أن ظاهر الحديث وكلام الأئمة أنه يسلب إذا اصطاد ولا يشترط الإتلاف وقال إمام الحرمين لا أدري أيسلب إذا أرسل الصيد أم لا يسلب حتى يتلفه قلت: ذكر صاحب البحر وجهين في أنه هل يترك للمسلوب من ثيابه ما يستر عورته واختار أنه يترك وهو قول صاحب الحاوي وهو الأصوب والله أعلم.
|